Saturday, April 09, 2005

تسعة إبريل

تسعة أبريل ؟
هل عدت مرة اخرى ؟
يا عمي الناس مختلفين عليك !
هناك ناس أعلنوك عطلة رسمية على انك يوم التحرير ،فتصدى لهم ناس ثانيين و قالوا :لا أبدا" ...هذا يوم الاحتلال ...بس حسنا فعلت هذا العام انك جئت في يوم السبت الذي هو عطلة في العراق اصلا (وحتى هذه العطلة مختلف عليها – سبحان الله ،كنا نوافق على كل شيء فيما مضى واليوم نختلف على كل شيء – وهذا موضوع ثاني تماما ) ...بس النتيجة انك عملت طيب ...و الا كنا سنبقى في بيوتنا في كل الاحوال ..فالخطة الجديدة لحفظ الامن كما يبدو هي أن يجعلوا الجميع في بيوتهم :الارهابيون ونحن ..وذلك بقطع السير على جميع الجسور التي بين الكرخ والرصافة ..بحيث يكون الخروج من المنزل و محاولة القيادة شيء يبعث على الندم ...

يااااه ...9 أبريل
دخلت التاريخ على غفلة منا ...ما كنا نعلم ما يجري في وسط بغداد يومها ...كانت الكهرباء مقطوعة منذ ايام عديدة وكان لدينا مشكلة علينا التعامل معها في البيت ،فقد بدأ ثلج مجمدة الطعام (الفريزر ) يذوب وكنا نخزن فيها مؤن كثيرة ،عملنا على ان نطبخ اللحم بسرعة كي لا يفسد .
قعدنا، أمي وأنا ، نعمل (كبة حلب )و اضافة الى ذلك كنت اعمل اصابع بطاطا (فنكر جبس )اللي اموت فيها، كان الوقت بعد الظهر ..ما أزال اذكر ان صديقة لنا جاءت هي وأخوها ..أوقفوا سيارتهم في باب بيتنا و دخلت ...فتحتُ باب المطبخ الى الكراج فبادرتني حتى قبل ان اصل لها بانفعال :
(صار لهم ساعة يوقعوا التمثال )
لم تبدو لي الجملة مفهومة ابدا
اي تمثال ؟
و تبادرت الى رأسي أسئلة كثيرة :هل جاءوا يوقعوا تمثال ام الشخص نفسه ؟ما فائدة اسقاط التمثال والشخص ما يزال موجود؟ من الذي يوقع التمثال أصلا "؟

قلت لها أي تمثال ؟
قالت لي :اللي في ساحة الفردوس .

أساسا" يعني ،و بكل صراحة ،ما كنت أعرف ان هناك تمثال في تلك الساحة ،فقد كان مغلفا" بقماش استعدادا " لافتتاحه في عيد ميلاد صدام في الثامن والعشرين من أبريل .و أساسا" يعني ،وبكل صراحة ،ما كنت ايضا أعرف ان هذه الساحة اسمها ساحة الفردوس ،فهي بالنسبة لي الساحة التي أمام نادي العلوية فقط.

قالت : قناة الجزيرة صار لها أكثر من ساعة تعرض الصور ..وضعوا علم امريكا على وجهه ..والله احنا انقهرنا..بس بعدين حطوا علم العراق)
أنا هنا توقفت شوية وقلت لروحي (طبعا هي حزبية ..أحسن لي أسكت وما أبيّن اني فرحانة )قلت لها (آآآآ ..)و لا اتذكر ماذا سألتها ايضا لكن اتذكر انها قالت ان العراقيين كانوا يمشون مع الدبابة الامريكية .
كم كنت اريد ان ارى تلك المشاهد لكن لم اتمكن ابدا من رؤيتها الا بعد عدة اسابيع عندما اشترينا مولدة كهرباء و صحن لاقط وكانت تلك اللقطات تأتي مع مقدمة الاخبار في أكثر من قناة ...
أما امي فقد فرحت بهم جدا وقالت لهم تعالوا تفضلوا (كبة )فقد كانت الكمية كبيرة جدا علينا و ليس لدينا اي امكانية لخزن الزائد ..
صديقتنا هذه كان أخوها قد اشترى دش اثناء الحرب ،لم يعد يبالي بالقانون الذي يمنع امتلاك هذا الاختراع وكان يوصل الكهرباء له من بطارية السيارة و يفتحه كل يوم ساعتين فقط ليشاهدوا الاخبار ثم يرجع البطارية لمكانها و عندما يسوق صباحا" تنشحن اليطارية من جديد اثناء القيادة.

كانت منطقتنا ما تزال لم تصلها الدبابات الامريكية يومها ..و لم يقترب احد من صور القائد، وكل الناس كانت في بيوتها ...
توقعنا ان يصلوا لنا يوم العاشر من أبريل ..وفعلا في الخامسة فجرا استيقظنا على اصوات رصاص قريب جدا كأنه حول بيوتنا و في شارعنا بالضبط و الشارع الذي خلفنا ،عمري وحياتي ما سمعت أصوات أقرب منها أو متواصلة أكثر منها ..أتذكر اننا قفزنا من اسرتنا ..قررنا ان نختبيء في الحمام (أبي وامي وأنا ) لان شباكه صغير و هو محاط بغرف النوم من الجانبين ....بقينا هناك لوقت طويل ..نسمع الاصوات ونحاول ان نصحو من النوم ...جلبنا طبلات صغيرة للجلوس و كنت اضع يداي على جانبي وجهي و كل اللي في مخي هو : (يمة يمة ، هاي شنو ؟ ، يا ربي ، بسم الله الرحمن الرحيم ، يا رب احفظنا ،يا رب استر علينا ).

سمعنا صوت تكسر زجاج ...تصورناه زجاج مطبخنا ...ثم مرت سيارة بسرعة كبيرة في شارعنا ثم سمعنا صوت سلاسل دبابة تسحب روحها من ثقلها ..و مرت ايضا في شارعنا ...بقينا ساعتين كاملتين هناك ثم رجعنا للنوم عندما اصبحت الاطلاقات متفرقة قليلا ...

الجامع القريب لبيتنا كانت عليه آثار القذائف من كل جهاته عندما خرجنا للشارع بعد ذلك بأيام و الجيران قالوا لنا ان هناك ثلاث شظايا ضربت واجهة بيتنا و عندما صعدت لغرفتي كان زجاجها مفطور من الزاوية للزاوية ولكنه ما يزال في مكانه .
أما الايام اللي سبقت 9 أبريل فقد كانت اسوأ أيام خصوصا لما طوقوا بغداد ز احنا بقينا فيها فيما خرج بقية الناس الى المحافظات المجاورة عن طريق ديالى .
ليلة 7 أبريل قضيت ليلة سودا يكل معنى الكلمة ...بكيت طول الليل و لم أتصور اننا سنعيش لنرى الصباح ...كل ما فكرت به هو الموت والحساب و انني غير محجبة و ان مصيري النار و انني اضعت كل عمري دون ان اتحجب ..كم ندمت ليلتها ..لم اصدق عندما استيقظت انني قد نمت واننا لم نمت ...

كنا معزولين عن العالم ،كل ما نستطيعه هو ان نسمع الاخبار ليلا من مونتي كارلو ..حتى ليلة 8 أبريل عندما قال المذيع ( في الوقت الذي ينام فيه بوش وبلير في بلفاست ينام فيه قسم من جنودهما في القصر الجمهوري في بغداد ) لم اصدق هذه الجملة حينما سمعتها ..كانت الانباء متضاربة كثيرا ..كل ما تقوله امريكا يكذبه الصحّاف ..فلم نكت نعرف من نصدق بالضبط ..

لكن في صباح 9 أبريل فتحت راديو الكويت وقالوا ( شوهدت دبابتان امريكيتان تعبران جسر الجمهورية ) وبعد الاخبار قال المذيع بصوت خطابي (مبروك للشعب العراقي ،مبروك مبروك مبروك )وهذا كل ما استطعت سماعه لانه كان علي ان اقفل الراديو حرصا على البطاريات !
يومها انا فرحت جدا ......جدا .....جدا كنت انتظر هذه اللحظة اعتبارا من 1987..لم افكر بكلمة احتلال بقدر ما فكرت في سقوط صدام ..حتى كلمة سقوط بغداد ما اعترفت بها .كنت افكر ان بغداد لم تسقط ..بغداد هي نحن و نحن فرحنا وتنفسنا الصعداء ..اللي سقط هو صدام وحاشيته فقط .

وطبعا أنا الى حد اليوم عندي مشكلة مع كلمة احتلال هذه ..كلما اسمعها اشعر بصدمة و انكرها ..نحن لسنا محتلين ..عقلي ما يزال ،وبعد سنتين كاملتين ،يرفض استقبال هذه الكلمة و كل ما اردده لنفسي هو ان الامريكان سيغادروا ..سيغادروا ..لن يبقوا هنا الى الابد ..لازم يروحوا ..معقول ؟ عصر الاحتلال و الاستعمار راح ..وبعدين اقول ما كل الدول محتلة من قبل امريكا ..وما تقدر تعصي لها أمر ..اشمعنى احنا يعني ؟
وليست القصة انني لا احب بلدي لكن دائما كان احتلال فلسطين يقهرني ,, هل سنصبح احنا فلسطين ثانية ؟

يوم 9 أبريل افتقدت اخواني جدا جدا جدا ..أهلي استقبلوا الخبر بصمت مطبق ..كنت اريد ان احكي و اسمع اصوات في بيتنا ..لو كان اخواي معي لعملنا ضجة ..كنا خائفين عليهم من ان يذهبوا للحرب و لكن في تلك اللحظة انتهت الحرب فكنت اريدهم قربي ..

بعدها بكم يوم ذهبنا الى ساحة الفردوس كي نستطيع ان نخابر اخي نطمئنه علينا ..وقفنا عدة ساعات وامطرت السماء علينا وتبهذلنا كثيرا، وأكثر من مرة قررت أمي الرجوع للبيت وكنت أصبرها وأقول لها هانت الدور راح يوصلنا .. لنحكي لدقيقة واحدة مع لندن تكلف 40 ألف دينار عراقي يومها ...حكيت مع زوجة اخي أقل من دقيقة ..بس قلت لها احنا بخير لا تقلقوا علينا و اتصلوا ب (...)(أخي الثاني) وبلغوه اننا بخير....

4 Comments:

At April 12, 2005 1:23 pm, Blogger Omar said...

مقاله متميزه جدا وممتعه واتمنى ان ياتي اليوم الذي تستطيعين فيه الاحتفال بتسعه نيسان فهو يوم سقوط الطاغيه لا سقوط بغداد كما تردد فضائيات التهبيط انا اعرف تماما شعورك قبل سنتين وكنت مثلك اود الركض في الشوارع لاقبل كل الناس

 
At April 12, 2005 1:26 pm, Blogger Omar said...

بالمناسبه يبدوا انك لم تستطيعي الوصول الى موقعي في المره السابقه ولا اعرف ما السبب الموقع هو www.iraqthemodel.com

 
At April 12, 2005 6:33 pm, Blogger Tara said...

شفت موقعك اخيرا
و أول ما فتحته
طلعت لي صورة ذاك الرجّال!!

بس ان شاء الله اقراه

 
At April 18, 2005 2:17 am, Blogger Muhammad Aladdin said...

فرحت لأني شفت بلوجك ده لسبب رئيسي: القدرة علي العيش.. الأبتسامة اللي بتسطع بعد كل عاصفة
و كل يوم و بغداد احلي أن شاء الله

علاء

 

Post a Comment

<< Home

Free Web Site Counters
Free Web Site Counters