
أكره الاسلحة جدا
جدا جدا يعني
جدا ... جدا .... جدا جدا
. . . أعتقد انهم لازم يحرموها دوليا ، يمنعوا تصنيعها ،لازم أحد ما ، يتخذ إجراء ما
ربنا يخلق الانسان في أحسن تكوين و يستغرق الامر تسعة أشهر كي يظهر الى هذه الدنيا باجهزته البديعة : تنفسه ،هضمه ،هرموناته. كل شيء فيه هو معجزة حقيقية .لو إضطرب شيء بسيط تتعقد الحياة :لو اختل هرمون الانسولين او هرمون النمو او هرمون الغدة الدرقية يعاني صاحبها الكثير...فمابالك بتحطيم هذا الانسان ؟
كيف يجرؤ انسان ما ،بلحظة خاطفة ان يأخذ تلك الحياة و تلك المعجزة بحديدة حارة سريعة تفتك بصنع الله و معجزة الله ؟
في الاسبوع الماضي أوقفتني أصوات الطلقات المتتالية و القريبة و منعتني من الذهاب الى مكتبة قريبة من المستشفى تبيع كتب طبية .كنت ما أزال أمشي في كلية طب بغداد عندما سمعت الاصوات .دخلت الى أول بناية صادفتني في ساحة الكلية
أريد أن يكون هناك سقف فوق رأسي دائما
يمكن أنا عندي فوبيا من الرصاص
طلاب و طالبات الكلية كانوا قاعدين على المصطبات و دكات الزرع بكل رواقة بال و لم يتحرك أحد منهم من مكانه حتى عندما صاح بهم أحد الطلاب ادخلوا تحت هذا السقف....كل اللي تحركوا هم طالبتين دخلوا الى باحة البناية اللي كنت أنا واقفة فيها لكن لسبب ثاني .إن إحداهن كانت تريد ان تعدل شعرها والثانية كانت تمسك لها المراية الصغيرة اللي طلعتها من جنطتها..و بعدين واحدة قالت للثانية :هسة يتصورون ان احنا خايفين ودخلنا هنا .و الثانية ردت :اصلا هذا مختبر الكيميا و أي طلقة تجي بيه يشتعل كله ...
أنا قلت لروحي : يا فرحتي أنا طلعت واقفة يم مختبر الكيميا !
قررت ان انتظر خمس دقايق بعد توقف الطلقات و ارجع الى المستشفى وأكنسل فكرة شراء الكتاب اليوم...و كنت افكر :يعني هوة مجرد ان اشتري كتاب ،هل هو طلب كبير حتى يتعرقل ؟ ليش كل شي صعب هنا ؟
كانت كل عضلات وجهي و رقبتي و معدتي وفكي متقلصين وانا أمشي .سألت حارس معهد الاشعة :قل لي هوة الصوت جاي من هذه الجهة أو من هذه ؟
كنت أريد ان أعرف هل أتجه باتجاه وزارة الصحة أم اروح بعيد عنها .أجابني بلهجته القروية : (لا تخافين ،قولي بسم الله) ، ثم أكمل : (الامريكيات يقاتلن).ففكرت :طيب ما همة يموتوا ،همة يعني سالمين ؟و بعدين اذا همة يقاتلون اروح انا امشي جوة الرصاص يعني ؟
ومع ذلك ما كنت لأخاف هكذا لولا المرضى اللي أشوفهم .فمثلا جابوا لنا مريض للسونر عنده طلقة مرت من رقبته من اليسار الى اليمين .أراد اطبائه ان نتأكد اذا كانت الشرايين السباتية اللي تصعد للدماغ والوجه مضروبة ام لا ....سألته كيف انضرب .قال لي المرافق له :كان طالع من الجامع و مرت سيارة كيا و رموا عليه رصاص وراحوا .الى هنا يجب ان اسكت .... الاحسن ما أسأل ليش ضربوه .لو كان مثلا شرطي او حرس وطني و أنا قلت له : الله يكون بعونكم ...ممكن يطلع هوة بالعكس واحد من المسلحين الانواع واشكال اللي مالين البلد ، و أروح أنا بيها .
حصل مرة ان اثنين أجو على انهم من الشرطة المصابين وتعالجوا وطلعوا من المستشفى و بعدين اجت الشرطة تسأل عنهم و قالوا انهم ارهابيين ومطلوبين ...فما كان من زميلتي التي فحصتهم الا ان قالت : (الحمد لله أنا لما فحصته ما قلت اي شي عن أي شي) ... ممكن الواحد ينقتل على كلمة
وبعد هذا المريض ،في نفس اليوم،جابوا مريض ثاني مضروب باطلاقة في رقبته كان معه طبيب فسألته عن مدخل ومخرج الاطلاقة حتى ما أجي احط السونر عيهم مباشرة،فاخبرني انها دخلت من خلف رقبته و طلعت من فمه و في طريقها عملت تمزق شديد في اللسان و كسرت اربعة أسنان مع الفك اللي يحملهم واللثة
و قبل رمضان رحت أزور صديقتي التي ستسافر وارادت توديعي و عزمتني في بيتها وانا قلت لها اني أخاف اروح لمنطقتكم و راح امر عليكي في المستشفى .كنت أعمل في تلك المستشفى و متعودة على طريقها لكن لما وصلت كان الطريق مقطوع لوجود مركز شرطة في نفس الشارع و قد حصل انفجار فيه قبل عدة اشهر ... كانت المسافة قصيرة كي أصل فقررت ان انزل من السيارة و أعبر الحاجز مشي .بعد خطوتين اكتشفت اني اخذت قرار سخيف .. لكن السيارة كانت راحت ...
الارض التي مشيت عليها كانت كلها مغطاة بشظايا الانفجار السابق، كلها قطع حديد لم يتم رفعها او تنظيف الشارع. كنت افكر ان انا في مرمى الشظايا هذه . الشارع فارغ تماما الا من سيارات الشرطة اللي تطلع من المركز و أنا شكلي غريب و أنا شايلة الهدية و ماشية فوق الشظايا
الطريق القصير بدا لي طويل جدا.
و لما وصلت المستشفى كان هناك قطرات دماء على ارض المدخل ...أقنعت نفسي انها قديمة وجافة لكن صديقتي قالت لي فيما بعد انها جديدة لانهم ضربوا وزارة الداخلية بالهاونات في ذلك اليوم وتم نقل الجرحى هنا
أما الشيء التحفة الآخر هو ان رئيسة القسم قالت لي لما رحت أسلم عليها :تشوفين زياد ؟
قلت لها : ليش هوة هنا ؟ أنا اعرف انه بالعناية المركزة ؟
قالت :لا جابوه هنا لان عنده قرحة فراش ..
يا ويلي وين أروح ؟ زياد هذا كان معي طوال اربع سنين في البورد و بعدين تعينّا في هذه المستشفى و اشتغلنا تقريبا سنة وبعدين انا انتقلت .... في شهر تموز الماضي انضرب طلقتين عندما كان في عيادته في منطقة الحارثية ....سكرتير العيادة انقتل و زياد مرت احدى الطلقات عبر الكبد والطحال والثانية في عموده الفقري ... شلّت نصفه السفلي .
أنا كنت لا اريد ان ازوره و لا ان اراه في هذا الحال ، تهربت من ذلك طويلا ...
لم اكن اتمنى ان اراه هكذا .....
كل الاطباء زاروه و الكثير منا كان يتوقع ان لا يعيش لانه مر بمضاعفات كثيرة من التهاب السحايا و فقدان الوعي الى عجز الكلى و غسل الكلى و طبعا مر كم مرة في العناية المركزة RCU
لكنه صمد رغم كل هذا ....
لم أجد مفر ... ذهبت ..
وكان هاديء و وجهه شاحب و يبدو كأنه كبر عدة سنين،
،وزنه أقل و شعره أخف ... لكن اللي كانوا معي قالوا انه متحسن كثيرا لانه الآن يستطيع ان يتنفس و يتكلم بسهولة اكثر من قبل و معنوياته احسن من قبل ...
-سمعت ان اللي كان مستهدف هو سكرتير العيادة وليس زياد و ان احدا ما قد ارسل له اعتذار عن هذا الخطأ -ناس طيبين أوي
لكل هذه الاسباب كنت أقول اني أكره الاسلحة جدا ....جدا
* * * *
شكرا" لألن باري لانه سمح لي باستخدام هذه الصورة من مجموعته على
flickr